منذ أن أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في عام 2013، ما فتئت دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد تدفع بشجاعة وقوة هدف بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. على مدى السنوات العشر الماضية، تطورت هذه المبادرة من اقتراح مفاهيمي إلى نظام علمي، ومن مبادرة صينية إلى إجماع دولي، ومن رؤية جميلة إلى ممارسة حية.
واليوم، يواجه العالم مشكلة تلو الأخرى. فقد كان لجائحة كوفيد-19 تأثير كبير، والصراعات الجيوسياسية تتكاثر، والانتعاش الاقتصادي العالمي لا يزال صعبًا، والتعددية في كثير من الأحيان ضعيفة، والعجز في السلام والتنمية والأمن والحوكمة الذي يواجه المجتمع البشري أصبح أكبر. وفي مواجهة سؤال القرن ”ما هو الخطأ في العالم وما الذي يجب أن نفعله حيال ذلك“، أكد الرئيس شي جين بينغ مرة أخرى على ضرورة تعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتشجيع جميع الدول على توحيد جهودها لمواجهة التحديات وتحقيق الازدهار المشترك، ودفع العالم نحو مستقبل مشرق من السلام والأمن والازدهار والتقدم.
أولاً، في مواجهة الأوضاع والتحديات الجديدة، نعتبر أن وجود عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظم وعولمة اقتصادية شاملة ومفيدة للجميع هو توجه مهم لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
في السياق الذي تصر فيه بعض الدول على انتهاج الأحادية وإثارة صدام المعسكرات والأيديولوجيات، لا تزال الصين تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظم، وتعارض الهيمنة وسياسة الأقوى، وتصر على المساواة بين جميع الدول وتشجع ممارسة التعددية الحقيقية. وتدعو الصين دائماً إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والدفاع المشترك عن مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والمعايير الأساسية المعترف بها عالمياً للعلاقات الدولية، وإصلاح وبناء نظام للحوكمة العالمية على أساس جماعي.
وفي هذا الصدد، تتخذ الصين خطوات ملموسة للنهوض بتعددية الأقطاب في العالم، حيث كانت الصين أول من أعرب عن دعمها لعضوية الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، وتشارك بنشاط مع الجزائر ودول أخرى للدفاع عن مصالح الأسواق الناشئة والبلدان النامية في الشؤون الدولية، وتعزيز التنسيق والتعاون مع هذه الدول في الساحة متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، لتعزيز التغيير العادل والمعقول في النظام الدولي.
وفي سياق قيام بعض الدول بتأمين التجارة العادية وتعميمها وبناء ”حواجز صغيرة وجدران عالية“ للتجارة باسم ”الحمائية“، تدعو الصين إلى عولمة اقتصادية شاملة ومربحة للجميع، وتعارض بشدة جميع أشكال الحمائية ومناهضة العولمة، وتشجع على مراعاة التطلعات العالمية لدول العالم، وخاصة الدول النامية، وتدعو إلى توسيع ”كعكة“ العولمة الاقتصادية وتقاسمها بشكل عادل.
وتؤيد الصين جميع البلدان في انتهاج طريق التنمية بما يتماشى مع ظروفها الوطنية، وفي تعزيز التنمية المشتركة لجميع البلدان على أساس تحقيق الربح للجميع.
لقد اتخذت الصين والجزائر تدابير ملموسة لمكافحة العقوبات الأحادية الجانب ومعارضة إقامة الحواجز التجارية، واغتنمتا فرصة انعقاد الدورة الثامنة للجنة المشتركة الصينية الجزائرية للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني لتنسيق مواقفهما ودعم بعضهما البعض في القضايا الاقتصادية والتجارية, والهدف من ذلك هو تحسين الهيكل التجاري، ودفع التعاون في المشاريع الكبرى، والاستفادة من إمكانات التعاون، وتقاسم ثمار النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة للتعاون الصيني الجزائري، وبالتالي إقامة نموذج للتعاون بين بلدان الجنوب.
ثانياً، في مواجهة الأوضاع والتحديات الجديدة، نعتبر مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية استراتيجية لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
تهدف مبادرة التنمية العالمية إلى تسريع تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. وتضع المبادرة الناس في محور اهتمامها وتروج لشراكة إنمائية عالمية موحدة منصفة ومتوازنة ومفيدة للجميع. هذه المبادرة عملية المنحى وتشجع على تنمية عالمية أقوى وأكثر خضرة وصحة لبناء مجتمع إنمائي عالمي.
إن الجزائر بلد إفريقي عظيم ذو هوية إفريقية وعربية ومتوسطية ثلاثية الأبعاد وموقع استراتيجي هام. وتولي الصين أهمية كبيرة لتحقيق التنمية المشتركة مع الجزائر، وهي من أوائل الأعضاء في مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية.
وعلى طريق تحقيق التحديث على النمط الصيني وبناء ”الجزائر الجديدة“، يعمل البلدان على تعزيز تآزر استراتيجياتهما التنموية واستغلال مزاياهما التكاملية وتعميق التعاون العملي في مجالات الحد من الفقر والأمن الغذائي والتغير المناخي وغيرها، وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي والطاقة الخضراء والتصنيع الراقي والزراعة وغيرها، مما يساهم في بناء مجتمع تنموي صيني جزائري بل وعالمي.
الصين والجزائر تؤيدان وقف إطلاق النار الفوري في غزة
تهدف مبادرة الأمن العالمي إلى تعزيز أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وتدعو المبادرة إلى التكيف مع المشهد الدولي المتغير بعمق بروح من التضامن، وتبني عقلية الفوز في التعامل مع جميع أنواع المخاطر والتحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، واتخاذ مسار أمني جديد من خلال الحوار بدلاً من المواجهة، ومن خلال الشراكة بدلاً من التحالف، ومن خلال الفوز في جميع الأحوال بدلاً من المحصلة الصفرية.
وقد شددت كل من الصين والجزائر على ضرورة تعزيز الحل السياسي والسلمي للقضايا الدولية والإقليمية الملتهبة على الصعيدين السياسي والإقليمي، ونجحت الصين في تعزيز المصالحة بين السعودية وإيران، مما أدى إلى ”موجة مصالحة“ في الشرق الأوسط وضرب مثالاً للدول المعنية لحل الخلافات وإقامة علاقات حسن جوار.
وقد أجمعت الصين والجزائر، وهما عضوان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على دعم الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة ودفعتا معاً من أجل تبني قرار مجلس الأمن رقم 2728. وهو ما يلبي التوقعات العامة للمجتمع الدولي، ويسهم إسهاماً مهماً في وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ ”حل الدولتين“، ويشكل تنفيذاً متيناً لمبادرة الأمن العالمي ويضخ باستمرار عناصر السلام والاستقرار في العالم.
وتدعو مبادرة الحضارة العالمية إلى احترام تنوع حضارات العالم وتعزيز القيم المشتركة بين البشرية جمعاء وأهمية التراث الثقافي والابتكار وتعزيز التبادل والتعاون الإنساني الدولي. وعلى النقيض من البلدان التي تتعمد خلق خطابات شبيهة بالفخ حول ما يسمى بـ ”النظرة الغربية المركزية للحضارة“ و”القيم العالمية“، تدعو الصين والجزائر إلى تعزيز تنوع الحضارات العالمية والقيم المشتركة للبشرية جمعاء.
يواصل البلدان تعزيز التبادلات الثقافية بين البلدين، ومنذ عام 2023، تم تكثيف التبادلات الودية في مختلف المجالات، مثل الأداء الحماسي لفرقة سوتشو للباليه في الجزائر، والزيارة الناجحة لوفد الأحزاب السياسية الجزائرية إلى الصين، وإنشاء مركز أبحاث جزائري في جامعة شمال غرب الصين، وما إلى ذلك. كل هذا يدفع التبادلات بين الحضارتين الصينية والجزائرية إلى آفاق جديدة ويفتح فصولاً جديدة من التعايش السلمي والإدماج والتبادل والمنفعة المتبادلة بين مختلف الحضارات. كل هذا يدفع التبادلات بين الحضارتين الصينية والجزائرية إلى آفاق جديدة ويفتح فصولاً جديدة من التعايش السلمي والإدماج والتبادل والمنفعة المتبادلة بين الحضارات المختلفة.
ثالثًا، في مواجهة الأوضاع والتحديات الجديدة، نتخذ من مبادرة ”الحزام والطريق“ منصة عملية لبناء مجتمع المصير الإنساني.
على مدى السنوات العشر الماضية، منذ إطلاق مبادرة ”الحزام والطريق“، ظلت المبادرة وفية لمبدأ التشاور الواسع والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة، وسعت إلى تحقيق رؤية التعاون المفتوح والأخضر والمتكامل، والعمل من أجل تعاون رفيع المستوى يخدم رفاهية الشعوب ويتسم بالاستدامة. وتسعى إلى تحقيق تنمية عالية الجودة، وتؤسس أكبر وأهم منصة تعاون في العالم، وتصبح طريقًا للتعاون والفرص والازدهار للبلدان المشاركة.
الشركاء الطبيعيون في الحزام والطريق
في عالم اليوم الذي يشهد تغيرات واضطرابات متكررة، تواصل الصين والجزائر، كشريكين طبيعيين في بناء ”الحزام والطريق“، تعزيز تنسيق السياسات وترابط البنية التحتية وتيسير التجارة والتكامل المالي والتفاهم المتبادل بين الشعوب. وتحقق الدولتان بالفعل نتائج تعاون مثمرة وتواجهان فرصاً تنموية هائلة.
وفيما يتعلق بتنسيق السياسات، وقعت الصين والجزائر على ”الخطة التنفيذية للتنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق“ و”الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات الرئيسية 2022-2024“ و”الخطة الخمسية الثانية للشراكة الاستراتيجية الشاملة“، التي توفر مبادئ توجيهية للسياسات للتعاون الصيني الجزائري في مختلف المجالات. وفيما يتعلق بالربط البيني في مجال البنية التحتية، فإن الصين هي أكبر منشئ للبنية التحتية في الجزائر. وقد أصبح مسجد الجزائر الأعظم، المطبوع على الإصدار الجديد من العملة الجزائرية، مشروعًا رائدًا لمبادرة ”الحزام والطريق“.
بالإضافة إلى ذلك، تم الانتهاء من الطريق السيار شرق – غرب، وتم وضع حجر الأساس لخط السكة الحديدية بشار – تندوف – غار جبيلات، وفازت شركة صينية بمناقصة مشروع توسعة ميناء عنابة. وفيما يتعلق بالتسهيلات التجارية، أصبحت الصين المورد التجاري الأول للجزائر منذ عام 2019، حيث بلغت التجارة الثنائية مستوى قياسيًا في عام 2023، حيث بلغت أكثر من 10 مليارات دولار، بزيادة 40.3% على أساس سنوي. فيما يتعلق بالتكامل المالي، وعلى أساس جيد من التعاون في مجال البنية التحتية، تشجع الصين تقديم الدعم المالي لتسهيل بناء المشاريع الكبرى في الجزائر، مما جعل التعاون المالي وتمويل المشاريع اتجاهاً جديداً للتعاون الصيني الجزائري.
أما فيما يتعلق بالتفاهم المتبادل بين الشعبين، فإن تاريخ دعم الصين لنضال الجزائر من أجل الاستقلال الوطني معروف جيدا في الجزائر، حيث أن أكثر من عشرة آلاف جزائري أنجبهم الفريق الطبي الصيني في الجزائر يحملون اسم ”صيني“، كما ساهم التعاون بين البلدين في مجالات النشر والسينما والتبادل المتبادل للطلبة في تحقيق التكامل الثقافي والتقريب بين الشعبين. وفي وقت سابق من هذا العام، تم بث فيلم عن الجزائر من إنتاج فريق ”جولة سينما العالم“ على التلفزيون الوطني الصيني، مما مكن مئات الملايين من الصينيين من اكتشاف بلد الجزائر الجميل وشعبها الشجاع.
يصادف عام 2023 الذكرى الخامسة والستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والجزائر. وقد قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بزيارة دولة ناجحة إلى الصين، وعقد الرئيس الصيني شي جين بينغ لقاءً تاريخيًا معه.
وتوصل رئيسا الدولتين إلى توافق مهم في الآراء وقررا بالإجماع على بذل قصارى جهدهما لبناء مجتمع المصير المشترك الصيني العربي للعصر الجديد. يصادف عام 2024 الذكرى العاشرة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر. ويلتزم الجانب الصيني التزامًا راسخًا بتنفيذ التوافقات الهامة التي توصل إليها رئيسا الدولتين، وتعميق التعاون العملي مع الجزائر في مختلف المجالات، ومعالجة الشواغل الجزائرية الهامة بفعالية، ودعم الجزائر لتلعب دورًا أكثر بروزًا في الشؤون الدولية والإقليمية، وكذلك متابعة مسارها التنموي وفقًا لظروفها الخاصة.
وبهدف بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، فإن الجانب الصيني على استعداد لمواصلة تعزيز الثقة المتبادلة والتنسيق مع الجزائر للمساهمة في سعادة الشعب والنهضة الوطنية والتنمية الإقليمية والسلام العالمي.
اكتب رد