البيان الأخير الصادر عن الحكومة الجزائرية ردًا على اتهامات مالي “الخطيرة” بشأن إسقاط طائرة مسيرة، يكشف بوضوح عن التزام الجزائر الراسخ بحماية فضائها الجوي وحدودها من أي اختراق أو تهديد.
هذه المقالة القانونية تسعى إلى تحليل سلامة الإجراءات الجزائرية المتخذة في هذا السياق، مع التركيز على الحقوق والالتزامات القانونية التي تستند إليها.
الإطار القانوني لحماية السيادة الجوية:
تستند الإجراءات الجزائرية لحماية مجالها الجوي إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي، وعلى رأسها مبدأ سيادة الدولة على إقليمها الجوي. اتفاقية شيكاغو للطيران المدني لعام 1944، والتي تعد الجزائر طرفًا فيها، تؤكد على الحق الحصري لكل دولة في ممارسة سيادتها الكاملة على المجال الجوي الواقع فوق إقليمها.
هذا الحق يشمل مراقبة المجال الجوي، وتحديد شروط استخدامه، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع أي انتهاك له.
بالإضافة إلى ذلك، يمنح القانون الدولي الدول الحق في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يشمل الحق في حماية أراضيها ومجالها الجوي من أي تهديد أو عدوان.
إسقاط طائرة مسيرة تخترق المجال الجوي لدولة ما وتتخذ مسارًا هجوميًا يمكن تكييفه قانونًا كعمل من أعمال الدفاع عن النفس المشروع، خاصة بعد التحذيرات المتكررة وتسجيل حالات اختراق مماثلة سابقة، كما ورد في البيان الجزائري.
سلامة الإجراءات الجزائرية في ضوء القانون:
يُظهر البيان الجزائري التزامًا بالإجراءات القانونية السليمة في التعامل مع حادثة الطائرة المسيرة.
فقد استندت الجزائر في قرار إسقاط الطائرة إلى الأدلة المادية الموثقة، بما في ذلك صور الرادار التي تثبت بوضوح اختراق الطائرة للمجال الجوي الجزائري واتخاذها مسارًا هجوميًا. كما أشارت الحكومة الجزائرية إلى تسجيل حالات اختراق مماثلة سابقة، مما يعزز من مشروعية الإجراءات المتخذة في الحادثة الأخيرة كتدبير ضروري لوقف تكرار مثل هذه الانتهاكات وحماية الأمن القومي.
إن تأكيد الجزائر على توفر كافة البيانات المتعلقة بالحادثة في قاعدة بيانات وزارة الدفاع الوطني، وعرضها لهذه البيانات كدليل قاطع على الانتهاك، يعكس الشفافية والمسؤولية في التعامل مع هذا الملف الحساس. كما أن تكييف دخول الطائرة ثم ابتعادها وعودتها في مسار هجومي كـ “مناورة عدائية صريحة ومباشرة” يتماشى مع مفهوم التهديد الوشيك الذي يبرر اتخاذ تدابير دفاعية فورية.
مبدأ المعاملة بالمثل وتأثيره القانوني:
قرار الجزائر باستدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينا فاسو لمهامه، يستند إلى مبدأ المعاملة بالمثل المعترف به في القانون الدولي للعلاقات الدبلوماسية. هذا المبدأ يسمح للدولة باتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي تتخذها دولة أخرى ضدها.
رد الفعل الجزائري هذا يعكس رفضها القاطع للاتهامات “المشينة وغير المبررة” ويعبر عن استيائها من انحياز الدولتين المذكورتين إلى “الحجج الواهية” التي ساقتها مالي.
تُظهر الإجراءات التي اتخذتها الجزائر في مواجهة اختراق مجالها الجوي التزامًا قويًا بحماية سيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها، استنادًا إلى أسس قانونية راسخة في القانون الدولي. إن توثيق الانتهاكات بالأدلة المادية، والشفافية في التعامل مع الحادثة، واللجوء إلى مبدأ المعاملة بالمثل في الرد الدبلوماسي، كلها مؤشرات على سلامة الإجراءات الجزائرية وحقها السيادي في الدفاع عن فضائها الجوي وأمنها القومي في مواجهة أي تهديدات محتملة.