إن ما يشهده قطاع غزة من قصف إسرائيلي جوي ممنهج ومتعمد للمستشفيات، والذي لم يسبق له مثيل حتى في أشد الحروب الشاملة السابقة، يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية وتقويضا سافرا لأسس القانون الدولي الإنساني. فبينما تلتزم اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي تعتبر حجر الزاوية في حماية المدنيين والأعيان المدنية في أوقات النزاع المسلح، بحرمة المستشفيات ووحداتها الطبية وتوفير الحماية الخاصة لها باعتبارها أماكن مخصصة لعلاج المرضى والجرحى، تتجاهل إسرائيل هذه الالتزامات بشكل صارخ، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف والمبادئ الإنسانية.
إن صمت الدول، وخاصة الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف والأعضاء في الأمم المتحدة، إزاء هذه الانتهاكات المتكررة يشجع إسرائيل على التمادي في غيها واستباحة القانون الدولي. هذا الصمت المخزي يرسل رسالة ضمنية مفادها أن حياة المدنيين الفلسطينيين ومؤسساتهم الطبية لا قيمة لها، وأن إسرائيل فوق القانون والمحاسبة.
وحتى بفرض وجود مزاعم باحتمالية لجوء حركة حماس إلى التحصن في بعض هذه المستشفيات، فإن القانون الدولي الإنساني يضع إجراءات وضوابط دقيقة لا يمكن تجاوزها قبل شن أي هجوم على مثل هذه الأعيان المحمية.
فالمبدأ الأساسي هو التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، ويقع عبء الإثبات على الطرف المهاجم للتأكد بشكل قاطع من أن المستشفى قد فقد صفته المدنية وأصبح هدفا عسكريا مشروعا. وحتى في هذه الحالة النادرة، يجب أن يكون الهجوم متناسبا وأن تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب أو تقليل الأضرار اللاحقة بالمدنيين والمرضى والطواقم الطبية.
إن القصف العشوائي والمستمر للمستشفيات في غزة، والذي يستهدف البنية التحتية الصحية الحيوية ويحرم آلاف المدنيين من حقهم في العلاج والرعاية الصحية، لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال. إنها جرائم حرب واضحة المعالم تستدعي تحقيقا دوليا مستقلا ومحاسبة المسؤولين عنها.
لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يرفع صوته عاليا ويدين هذه الانتهاكات الإسرائيلية بشكل قاطع لا لبس فيه. يجب على الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف والأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية وتتخذ خطوات عملية لوقف هذا العدوان الوحشي وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين والمؤسسات الطبية في قطاع غزة.
إن استمرار الصمت هو تواطؤ ضمني يلطخ سمعة القانون الدولي ويقوض النظام العالمي القائم على العدل والاحترام لحقوق الإنسان.
ختاما :ليس العيب في القانون الدولي لكن الدول التي لا تنفذ القانون الدولي