ضرورة تكريس الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية في الجزائر

الترشح للانتخابات ليس حكرا على رؤساء الأحزاب

الحزائر I Le Jeune Indépendant عربي
بقلم: محمد قحش: خبير اقتصادي ومحلل سياسيواشنطن - الولايات المتحدة الأمريكية
بقلم: محمد قحش: خبير اقتصادي ومحلل سياسي واشنطن – الولايات المتحدة الأمريكية

فرضت التحديات السياسية الراهنة، ضرورة إعادة النظر وتحيين بعض القوانين، والعمل على تكييفها مع المستجدات و التحولات التي يشهدها العالم اليوم، ومن بين هذه القوانين هناك مشروع القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي تضمنت مسودته بعض التعديلات المهمة، وجب تثمينها وفي نفس الوقت إثراؤها، لتعزيز قوة الطبقة السياسية والجبهة الداخلية، وبعث النشاط في المشهد السياسي، ومن هذا المنطلق رأيت أنه من واجبي كمواطن جزائري قبل كل شيء، ونائب برلماني أسبق عن الجالية الجزائرية بأمريكا، أسيا و أوقيانوسيا، المساهمة في إثراء هذا المشروع ببعض المقترحات التي أتصور أنها مهمة بل وضرورية، لبناء أحزاب قوية خلال المرحلة المقبلة…فتكريس الديمقراطية الحقيقية، بمفهومها المطلق، يبدأ من ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص في الممارسة السياسية داخل الأحزاب السياسية نفسها، من خلال فتح باب الترشح للمواعيد الانتخابية بما فيها الاستحقاقات الرئاسية أمام كوادر وكفاءات هذه الأحزاب دون اقصاء أو تهميش أو تمييز، بمعنى، ألا تبقى هذه الفرصة حكرا على قادة الأحزاب، الذين وإن أرادوا بدورهم الترشح لهذه الانتخابات المهمة فلهم ذلك، شريطة أن يتخلوا عن قيادة أحزابهم، ويبادرون إلى الاستقالة من رئاسته إن ثبتت النية لديهم للترشح للانتخابات…هكذا يمكن بناء أحزاب قوية وفعالة وذات تأثير في المشهد السياسي، أحزاب ليست مجحفة في حق كفاءاتها، وتتكافأ فيها الفرص، وتتساوى فيها الحظوظ في الترشح للمواعيد الانتخابية المهمة في الجزائر، ومن أجل مصلحة الوطن فليتنافس المتنافسون، هكذا يمكن تكريس الديمقراطية الحقيقية، وهذا ما أثبتته التجارب الرائدة للأحزاب السياسية القوية والمؤثرة في العالم برمته.

تجارب الدول الرائدة في اختيار مرشحيها للرئاسيات

إن إتاحة الفرصة أمام كوادر وكفاءات و كل الأعضاء النشطة والفاعلة داخل الأحزاب، وعدم تقييد طموحاتهم السياسية مهما كانت، بما فيها الترشح للرئاسيات، سيعزز لا محالة روح المنافسة بين أعضاء الأحزاب، ويجعلهم أكثر حرصا على تكثيف نشاطهم وتقديم الأفضل، والاجتهاد على التميز في المشهد السياسي، بطرح الأفكار البناءة وتقديم الحلول الناجعة للقضايا والانشغالات المطروحة، وكذا العمل على حشد الكثير من الأعضاء عبر الولايات لتعزيز القاعدة الشعبية لأحزابهم، وسيقود هذا بالضرورة إلى تعزيز قوة وثقل الأحزاب التي ينتمون إليها في الساحة السياسية…وفي تصوري، أن الإقدام على هذه الخطوة، كفيل بحظر التجوال السياسي الذي تضمنه نص المشروع التمهيدي لقانون الأحزاب، بل هو الحل الأمثل لتثبيت الأعضاء داخل أحزابهم، علما أنه من أهم الدوافع المؤدية إلى تغيير الإنتماء السياسي لأعضاء الأحزاب، ومغادرتها لإنشاء أحزاب جديدة، هو غياب الحوافز المشجعة ويأتي في مقدمتها حق الترشح، الذي يعتبر أيضا من بين أهم الأسباب التي تقف وراء ضعف أداء الأحزاب وجمود النشاط والحيوية فيها.

في حين فإن مهمة رؤساء الأحزاب في هذه الحالة، يجب أن تكون سياسية و تنظيمية وإدارية بحثة، فرئيس الحزب هو الذي يسهر على ضمان السير الحسن للحزب…وهنا لا بد من استحضار التجربة الأمريكية باعتبارها رائدة، حيث أن كل رؤساء الولايات المتحدة، لم يكونوا أبدا قادة في الأحزاب التي ينتمون إليها، بل أعضاء إما في الحزب الديموقراطي أو في الحزب الجمهوري، تم إنتخابهم على مستوى الحزب أولا، ثم على مستوى الوطن ثانيا. فالرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي انتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، وفي فترتين مختلفتين بطريقة ديمقراطية، لم يكن رئيسا للحزب الجمهوري الذي ترشح عنه، بل إن حزبه هو من رشحه، لنشاطه الدؤوب والمكثف داخل الحزب، وأيضا لنجاحه في حشد الكثير من الأعضاء، ونفس الشيء حدث مع الرئيس السابق جو بايدن، الذي كان عضوا في الحزب الديمقراطي، وعرف كيف يقنع حزبه ليكون مرشح الديمقراطيين المفضل في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها، وقبله الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما، الذي ترشح عن الحزب الديمقراطي ولم يكن رئيسا لهذا الحزب، الذي اختاره لخوض الانتخابات الرئاسية لتميزه بأسلوب الاقناع وتقديم الحلول لمشاكل إجتماعية جوهرية، منها توفير الرعاية الصحية للجميع، وأيضا لمقترحاته المتعلقة بخفض الرسوم الضريبية، وتطوير الطاقة النظيفة، بمعنى أن اختيار مرشحي الأحزاب للاستحقاقات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، يكون على أساس قدرات الأعضاء الفاعلة والناشطة والمؤثرة داخل الأحزاب، أما قادة الأحزاب فمهمتهم تختلف هنا، إلى جانب الدور السياسي  لديهم مهام أساسية أخرى الشؤون التنظيمية والإدارية، هكذا صنعت الأحزاب السياسية رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية.

دور رئيس الحزب الديمقراطي أو الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية

تقوم الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية في المواعيد الرئاسية، بتنظيم انتخابات تمهيدية ومؤتمرات حزبية وتنشيط تجمعات شعبية عبر الولايات بغرض اختيار مرشح الحزب لمنصب الرئيس، أما  رئيس الحزب هنا، ما هو إلا منظم و مشرف على العملية الإنتخابية ليس إلا. ففي المرحلة الأولى يظهر الراغبون في الترشح، حيث يسهرون حشد التأييد لأنفسهم لدى أنصارهم في الحزب، سعيا منهم للحصول على ضمانات، وإذا رأوا أنهم يتمتعون بتأييد كبير يمكنهم لخوض الانتخابات، فإنهم في هذه الحالة، يخطرون السلطات العليا باعتزامهم الترشح، لتأتي بعد ذلك عمليات جمع الأموال وخوض سباق الانتخابات بين الأحزاب، ثم تأتي المرحلة الثانية، التي يتم فيها اختيار مرشح الحزب الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية أمام نظرائهم في الأحزاب المنافسة، إذ يتعين على الناخبين المؤيدين لأحد الأحزاب السياسية، أن يختاروا مرشح الحزب من بين عدد من مرشحي هذا الحزب، وهي الطريقة نفسها التي تعتمدها أيضا التجربة الكندية، فعلى سبيل المثال، عندما قرر رئيس الوزراء جاستين ترودو الإستقالة وعدم تجديد عهدته، سارع كل أعضاء الأحزاب المنافسة، بما فيها الحزب الذي ينتمي إليه، استعراض جدارتهم السياسية و قدراتهم على القيادة، التي انعكست ايجابا على أداء ونشاط وفاعلية أحزابهم، ورفت مستوى المنافسة في ما بينهم إلى السقف.

التجربة الإنجليزية والتجربة الفرنسية !

لا تختلف التجربة الحزبية في إنجلترا عما هو سائد في الولايات المتحدة الأمريكية، فأغلب رؤساء الوزراء تم ترشيحهم من قبل الأحزاب التي ينتمون إليها و ينشطون فيها، سواء تعلق الأمر بحزب العمال أو حزب المحافظين، البارزين بل إن الأمر إمتد إلى الحزب الليبيرالي وحتى حزب الأحرار، لمدة رئاسية أقصرها 27 يوما وأطولها 20 سنة. نفس الشيء في فرنسا التي تعتمد بدورها هذا الأسلوب، حيث لم يكن معظم رؤساء فرنسا قادة في أحزاب، بل كانوا أعضاء إما في أحزاب يمينية أو يسارية أو معتدلة. فالرئيس الفرنسي  إيمانويل ماكرون مثلا، لم يكن رئيسا لحزبه بل كان عضوا نشطا وفعالا، ومتمكنا من عدة ملفات إقتصادية وإجتماعية حساسة، كان هذا أهم عامل لترشيحه من قبل حزبه رغم صغر سنه. و قبله أيضا الرئيس فرنسوا هولاند، الذي لم يترشح لرئاسة فرنسا عندما كان قائدا للحزب الإشتراكي خلال الفترة الممتدة ما بين 1997-2008، بل ترشح  عندما أصبح عضوا في الحزب ذاته و فاز وقتها برئاسيات 2012، وربما الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي هو من صنع الاستثناء عندما ترشح عن حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية سنة 2007، الذي كان زعيما له، لكن هذا لم يمنع من ترشح أسماء أخرى بارزة في الحزب الذي ينتمي إليه،  وقدعاد ساركوزي لقيادة الحزب بعد خسارتة في تولي عهدة رئاسية ثانية سنة 2017. أما الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، فقد فاز برئاسة فرنسا في 1995 وهو عضو في حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية و ليس رئيسا لهذا الحزب، وقبله فرنسوا ميتران، الذي كان مرشح الحزب الإشتراكي سنة 1981، وفاز بالإنتخابات الرئاسية حينها عندما كان عضوا قياديا فيه والأمثلة كثيرة…

سن قانون يمنع ترشح رؤساء الأحزاب للإنتخابات الرئاسية

بعد استعراض كل هذه التجارب السياسية الناجحة، يتبين مدى حاجة الجزائر إلى سن قوانين تساهم في تنشيط المشهد السياسي في البلاد، وتبعث الحركية داخل الأحزاب حتى تخرجها من حالة الرتابة و الفشل التي تعاني منها اليوم، وتجعلها قادرة على خدمة المصلحة العليا للوطن، ومجابهة التحديات الخارجية وكسب رهاناتها، إذ لا يمكن بلوغ هذه الأهداف الاستراتيجية بطبقة سياسية ضعيفة وجبهة داخلية هشة، وعليه بات من الضروري فسح المجال أمام الأعضاء البارزة داخل الأحزاب للترشح لكل المواعيد الانتخابية دون استثناء، حتى لا تبقى هذه المواعيد المهمة حكرا على قادة الأحزاب على حساب كفاءاتها وكوادرها وأعضائها الفاعلة، كما هو الحال في كل الدول الديمقراطية والمتقدمة والمتطورة، التي تمنح الفرصة للمناضلات والمناضلين، ممن لديهن و لديهم قبول شعبي وأفكاروحلول لقضايا إجتماعية وإقتصادية مطروحة، ويقدمون إضافة لأحزابهم، ويمتلكون حس القيادة ويتميزون بالحنكة السياسية على البروز في الساحة، ما يؤهلهم للترشح في الإنتخابات والفوز بها، أما رؤساء الأحزاب، فهم مطالبون بالتسيير الحسن لأحزابهم، والسهر على ضمان الاستقرار والنشاط المتواصل فيها، هذا هو دورهم وهذه هي مهامهم…وفي حال رغبوا في الترشح، عليهم أن يستقيلوا من رئاسة الحزب، ويستحسن في هذه الحالة أن تكون مقيدة بفترة زمنية محددة.

تشجيع المنافسة بين أعضاء الحزب لتحقيق الريادة

إن قوة الأحزاب  السياسية وفاعليتها، مرهون بمدى نشاط مناضلاتها ومناضليها، وتأثيرهم في الحياة السياسية والشعبية، وعليه لا بد من تشجيع المنافسة بين المناضلات والمناضلين داخل كل الأحزاب السياسية، لبلوغ الريادة وتحقيق طموحاتهم السياسية، لأن هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز قوة الحزب والرفع من مستوى أدائه، وترسيخ حضوره في المشهد السياسي، حتى لا يتوقف النشاط السياسي والحزبي على المواعيد الإنتخابية والمناسبات فقط، فنشاط أعضاء الحزب يجب أن يكون على مدار السنة و في كل سنة.             

الترشح حق مشروع للجميع

وجود النية والرغبة لمناضلي أي حزب سياسي في الترشح للمناصب العليا في الدولة بما فيها منصب رئيس الجمهورية، حق مشروع للجميع. فإذا كان الترشح لتولي منصب رئيس الجمهورية متاحا للجميع، فإن المناضل في أي حزب سياسى، سيعمل بكل جد ليثبت كفاءاتة العلمية، والشخصية والقيادية والسياسية، ويجتهد لتكوين قاعدة شعبية، وسيخلق النشاط في صفوف المناضلين، ففي الأخير، كل مناضل يعمل بجد وإخلاص، حتى يعزز فرصه ليكون المرشح الأول لحزبه، مما يزيد من قوة الحزب السياسي، ويساهم في رص صفوف مناضلاته ومناضليه، هكذا يمكن تعزيز الحركة والنشاط داخل الأحزاب، وتقوية الطبقة السياسية وبناء ديمقراطية على أسس صلبة، كفيلة بتعزيز قوة أحزابنا السياسية، وتنمية علاقتها مع السلطة  كشريك من أجل الدفاع عن مصلحة الوطن في الداخل والخارج.

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.
هل كانت هذه المقالة مفيدة؟ نرحب بتقييمك
نأسف لسماع ذلك. ما الذي لم يعجبك في هذا المقال؟
يُرجى إخبارنا برأيك بما يمكن أن يساعدنا في تحسين هذه المقالة.