بقلم: الدكتور أيمن سلامة
المسؤولية القيادية عن الجرائم الدولية:
إن الصفة الرسمية التي يشغلها السيد/ ساعر كوزير للخارجية وعضويته البارزة في مجلس الحرب الإسرائيلي، لا تمنحه أي حصانة من المساءلة القانونية عن الجرائم الدولية المرتكبة تحت قيادته أو بعلمه أو بتوجيه منه. يؤكد القانون الدولي بوضوح على أن المسؤولية الجنائية الفردية تطال جميع من يساهم في ارتكاب هذه الجرائم، بمن فيهم القادة المدنيون والعسكريون.
فمبدأ المسؤولية القيادية المدنية راسخ في القانون الدولي الجنائي، ويحمل المسؤولين رفيعي المستوى مسؤولية أفعال مرؤوسيهم إذا كانوا على علم بها ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لمنعها أو المعاقبة عليها.
يُعد مبدأ الولاية القضائية العالمية واحدًا من الأدوات الرئيسية التي تضمن منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، والتحقيق فيها حال وقوعها، والحد منها إذا أمكن.
تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 على التزام الدول الأطراف بالبحث عن المشتبه في اقترافهم مخالفات جسيمة – وهي الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني – أيًا كانت جنسياتهم، ومقاضاتهم أو تسليمهم. ويوسع البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف هذا الالتزام ليشمل المخالفات الجسيمة المحددة فيه.
سابقة سيبني ليفني وأهمية المساءلة:
تستحضر هذه المطالبة سابقة وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، السيدة/ تسيبي ليفني، التي ألغت زيارة مقررة إلى لندن عام 2009 خشية اعتقالها بناءً على مذكرات توقيف تتعلق بجرائم حرب مزعومة خلال العدوان على غزة آنذاك.
هذه السابقة تؤكد إمكانية ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين قضائيًا في المملكة المتحدة بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للمحاكم الوطنية بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية المتهم أو الضحية.
المساهمة الجنائية في جرائم غزة:
تشير المعلومات والتقارير الموثقة إلى أن السيد/ ساعر، من خلال موقعه القيادي في الحكومة الإسرائيلية ومشاركته الفاعلة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمليات العسكرية في غزة، قد ساهم بشكل مباشر في ارتكاب جرائم دولية.
وتشمل هذه الجرائم القصف العشوائي للمدنيين والأعيان المدنية، واستخدام أساليب حرب محظورة، وفرض حصار مطبق أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، مما يرقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ضرورة المساءلة الوطنية والدولية:
تؤكد المنظمة الحقوقية على الضرورة الملحة لتحقيق المساءلة الوطنية والدولية لجميع المتورطين في ارتكاب جرائم دولية في قطاع غزة.
إن صمت المجتمع الدولي وتقاعسه عن محاسبة هؤلاء المجرمين يشجع على الإفلات من العقاب ويساهم في استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
إن اعتقال السيد/ ساعر في حال دخوله الأراضي البريطانية سيمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة ووضع حد للإفلات من العقاب، وسيوجه رسالة قوية إلى جميع مرتكبي الجرائم الدولية بأنه لا يمكنهم الاختباء من وجه العدالة.
خاتمة:
تطالب المنظمة الحقوقية السلطات البريطانية بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والتحرك الفوري لاعتقال السيد/ ساعر وزير الخارجية الإسرائيلية في حال دخوله المملكة المتحدة، وفتح تحقيق شامل في التهم الموجهة إليه بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. إن تحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم يمثل ضرورة حتمية لضمان احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان وتعزيز السلام والأمن الدوليين.